حسب تقرير PwC حول الذكاء الإصطناعي، فإنه من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بقرابة $15.7T (خمسة عشر ترليون وسبعمئة مليار دولا) في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030. سيكون نصيب الاسد فيها للعملاق الصيني $7T (سبعة ترليون دولار) ويليه القارة الأمريكية الشمالية بقرابة $3.7T (ثلاثة ترليون وسبعمئة مليار دولار). ويقسم $5T (خمسة ترليون دولار) على باقي العالم. فماهو نصيبنا من ذلك؟
نعلم جيداً أن الدول التي ركبت موجة الثورات الصناعية السابقة، سادت العالم. هذا ليس سراً. دخول العالم الصناعي الجديد ليس أمرا صعباً. دول تطورت في عقد من الزمن ونقلت اقتصادها وشعبها نقلة نوعية.
نحن في المملكة نسير نحو رؤية 2030، وهدفها الأول الاقتصاد. وهذه الرؤية جاءت في وقتها المناسب. السعودية، اليوم، ثقل اقتصادي وسياسي كبير. فكيف نستمر ونتطور؟!
الدول اليوم ينطبق عليها ماينطبق على الشركات. وأعني بذلك نظرية الأعمال الشهيرة innovation disruption الهزة الإبتكارية. فإما أن تهز السوق أو يهزك السوق Disrupt or be disrupted. يوجد شركات عظيمة سقطت في سنة واحدة. هذه القصص أشهر من أعود لذكرها. الكثير من الشركات التي سقطت كان وضعها المالي جيداً وكانت تنفق على البحث.. فلم تسقط لأنها أهملت البحث.. لكن قد تكون لأنها تنفق بالطريقة الخطأ .. أو أن المنافس يصرف بسخاء أكبر وبطريقة أكثر مناسبة.
هناك دول سقطت اقتصاديا مع وجود النفط وموارد أخرى كالماء والزراعة واليد العاملة… فما هو السر.؟!
في الحقيقة أن البقاء مرتهن بمنظومة متكاملة وأهمها هو الانفاق السخي والمحوكم على الانتاج والبحث والتطوير.. ولكن البحث (في هذا السياق) يكون لإنتاج منتج جديد لحل مشكلة محددة أو لابتكار منتج لخلق سوق جديد في الغالب. وعليه فلن يكون للبحث بمفهومه هذا أي فائدة ما لم تسهم في خلق سوق جديد أو منتج جديد لحل مشكلة قائمة. إذن، لابد للبحث من سوق يستوعب هذا الكم من البحث.
وفي المقابل، السوق الحيوي المنتج (وليس المستهلك فقط) يحتاج لبحث لدعمه بالمنتج المطور والابتكاري الذي يستطيع أن يحدث الهزة الابتكارية بين الحين والآخر. كما أنهما، أي البحث والمُنتَج، يحتاجان للدعم المالي من قبل المستثمرين وجهات الدعم المختلفة. وهذا كله يتطلب وجود سوق مستهلك يستوعب ذلك.
لايجب أن نرى هذه الحالة كحالة “البيضة والدجاجة” وأيهما يجب أن يخلق أولاً. بل هي عجلة لابد أن تكتمل للتحرك. أقول تكتمل من الاكتمال وليس الكمال. أي أننا لانريد أن تكون تجربة متميزة جدا وكاملة حتى تدور العجلة. بل يكفينا أن تدور بشكل مقبول ونعمل على تطويرها بالطريقة الصحيحة.
تجربة الصين
لدى الصين تجربة رائعة في التطور (التقني على سبيل المثال). بدأت الصين بالتقليد في الصناعة التقنية. فقد كانت في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية تقلد المنتج الأمريكي التقني. كان التقليد لدرجة نسخ التصميم والألوان والخطوط وطريقة العرض، حتى يصعب التفريق بين المنتج الصيني والأمريكي. كان سوق التقليد في الصين يصل لأن تنشأ آلاف الشركات الصينية لتقليد شركة أمريكية واحدة. كان الصينيون بارعون في البرمجة. لكن لم يكن لديهم القدرة على الابتكار ولم يكن هناك مستثمرون صينيون يثقون في قدرة المنتج الصيني المقلد على المقاومة والربح والانتشار كمثيله الأمريكي. قامت الشركات الأمريكية بمحاولات عدة لاختراق السوق الصيني ولكن بدون جدوى، لعوائق حكومية صينية ولعدم فهم سلوكيات واحتياجات المستهلك الصيني.
بدأت بعض الشركات الصينية تنمو وبدأت تحوز على ثقة المستثمرين (المستثمر الجريء). فبدأت تتشكل بيئة ريادة الأعمال في الصين. ثم بدأت الشركات تعمل على تطوير المنتج المقلد ليتوائم مع احتياجات المستهلك الصيني ويتم تطوير المنتج وخصائصه بالبحث والتطوير فبدأ الابتكار، واكتملت العجلة. الصين بدأت تبتكر في منتجاتها بعد أن كانت مقلده. بدأت المنتجات الصينية تلبي كل الاحتياجات (جودةً وتصميماً وخصائص). ولكن السوق الصيني كبير جدا بحيث أنه يمكن أن يستقل بذاته عن العالم وينمو.
هناك أمثلة كثيرة على منتجات صينية مقلدة عن منتجات أمريكية والتي نجحت في التحول لمنتج أفضل من المنتج الامريكي الأصلي، ولكن سأتجنب ذكرها خوفاً من الإطالة المملة.
أين نتجه؟
نحن في السعودية سوقنا مع أنه كبير إلا أنه لايقارن بأي حال من الأحوال بالسوق الأمريكي أو الصيني. ولكن بإمكاننا أن نكبر بشكل جيد. يمكن أن نعتبر السوق العربي والأفريقي وربما بعض الدول النامية مثل الباكستان وغيرها، سوقاً سعوديا. لدينا القدرة المالية من المستثمرين والصناديق الاستثمارية الكبيرة. كما أنه لدينا المعرفة العلمية (خبراء ومبرمجين … الخ) ويمكن كذلك اعتبار دول مثل مصر والأردن والباكستان وتونس وغيرها من الدول التي نتعامل معها كيدٍ عاملة ماهرة وكفاءات بحثية جيدة. ويصبح السوق العربي والأفريقي وأواسط آسيا سوقاً مستهدفاً للامبراطوريات التجارية السعودية. يمكن أن نبدأ بالطريقة التي بدأت بها الصين من تقليد للمنتج في هذه الدول. من يتصور أن دولة مثل نيجيريا دخلت فيها (أندومي) لتصبح إمبراطورية تجارية.
سوق ريادة الأعمال في أفريقيا سوق مشجع للاستثمار. فقد تجاوز الدعم في السنة الماضية مليار وثلاثمئة مليون دولار. وهي قارة ذات كثافة سكانية كبيرة. أي أن سوقها إن نجح سيكون سوقا كبيراً جداً. السوق النيجيري والكيني مثلاً أسواق واعدة. فأين نحن من هذه الأسواق؟
عصر التنفيذ
لحسن الحظ أن تطوير المنتجات والأعمال التي تستخدم الذكاء الاصطناعي ليست صعبة بالقدر الذي كانت عليه قبل عشر سنوات مثلاً. فنحن اليوم في عصر التنفيذ Implementation. فبإمكاننا أن نختار المجال الذي نريد أن نطبق فيه الذكاء الاصطناعي ونحضر الخبراء ونبدأ التنفيذ بأسهل الطرق. ليس بالضرورة أن يكون المنتج الأولي معقداً. علينا فقط أن نختار المجال ذو التأثير الأكبر والعائد الاستثماري ROI الأكبر، وربما الأسهل في التنفيذ. لسنا في حاجة اليوم بأن يركز السوق على البحث بمعناه العلمي والنظري البحت. بل يمكن أن نسعى لتعزيز البحث التطبيقي الناتج عن شراكة الأثافي الثلاث (الخبير القادر على التنفيذ- والداعم المالي أو المستثمر الجريء- والشركة التي لديها سوق قائم لتسويق المنتج).
أتمنى أن أرى الشركات السعودية الكبيرة والناشئة على حدٍ سواء، تعمل على خلق أذرع بحث وتطوير لمنتجاتها وتستثمر فيها بشكل واضح، لتتمكن السعودية من خلق هذه البيئة كما خلقت في وقت وجيز بيئة ريادة الأعمال entrepreneurial ecosystem ودعمتها في السنوات الأخيرة.