إذا كنت متخصصا في الذكاء الاصطناعي ولم تسمع بهذا المصطلح فلا بأس. التفرد التقني مصطلح فلسفي بحت..ولكن ماذا يعني؟ ومن أين أتى هذا المصطلح؟ وهل نحن قريبون من هذا التفرد التقني..؟
أكتب هذه المدونة وأنا في مطار دبي عائد من معرض جايتكس Gitex 2017. الذكاء الإصطناعي حاضر بقوة في كل ركن وفي كل جناح وكل مناقشة. هناك تسارع عجيب في توسع الابتكارات في الذكاء الاصطناعي وتعدد استخداماته. في كل شي بدءً من أدوات المطبخ والملابس والنظافة والسيارات والطائرات وباقي وسائل التنقل، إلى الأمن والاستخبارات والتسلُّح، مرورا بالطب والصحة والتعليم والمجتمع والاعلام وباقي الخدمات.
فمثلا، تجد صحيفة ما، تستخدم (الواقع المعزز Augmented Reality) لتحول خبرة القارئ- أو بالمصطلح التقني البحت خبرة المستخدم- User Experience من مجرد القراءة إلى الاستمتاع بالقراءة والدخول في عالم افتراضي تفاعلي مع الورق الذي يقرؤه. ومثلا، كلية طبية تستخدم (الحقيقة الافتراضية Virtual Reality) لتعطي الطالب خبرة جديدة للدخول في مكونات الجسم البشري وتفصيله وتفكيكه ومحاكات اجراء العمليات وغيرها.
هناك أمثلة كثيرة، أغلبكم رأى مثلها سابقا.
لكن مايعنينا هنا سؤالين مهمين لنصل لمفهوم التفرد التقني. الأول ماهو الهدف العلمي من صناعة هذه التقنيات من وجهة نظر علماء الذكاء الاصطناعي؟
الهدف ببساطة هو الوصول للذكاء حسب تعريف آلن تورن، هو أن نصل بالآلة لمستوى الذكاء البشري. (ممكن ترجع للمقالات الأولى في هذه المدونة عن تعريف الذكاء الاصطناعي وقصة ألن تورن).
والسؤال الثاني، من هو الذي يصنع هذه الآلات الذكية؟
الصناعة هنا شقين: الشق الأول هو النموذج Model. والذي يصنعه هنا هو الفريق البحثي. أما الذي يصنعه كمنتج (استنساخ النموذج) فهي الشركات، وغالبا تستخدم آلات (روبوتات) لتصنع بكفاءة وسرعة أكبر من الصناعة البشرية.
*دعونا نتصور أننا وصلنا لهذه الآلة الذكية (نسميها مثلا، الآلة العبقرية) التي تكون في مستوى ذكاء الإنسان. وبما أن الإنسان قادر على صناعة آلات ذكية تضاهيه في الذكاء، فإنه من البديهي أن الآلة العبقرية تستطيع أن تصنع آلات أخرى تضاهيها في الذكاء. (هيا ركز معي .. واذا انت مافهمت فارجع اقرأ من عند علامة *)..
الفكرة بسيطة، ودعونا نشرحها بمنطق: ١- الانسان ذكي.. يستطيع أن يصنع آلة ذكية ويطور ذكاءها كل مرة. ٢- الالة التي تضاهي ذكاء الانسان تستطيع أن تصنع آلة ذكية وتطورها كل مرة.
إذا وصلنا لهذه المرحلة وصرنا نعيش في زمن الالة تصنع آلة ذكية فنحن في زمن (التفرد التقني Technological Singularity).. وهذا هو مفهومه باختصار.
لكن من أين أتى هذا المصطلح؟ قد تكون سمعت بشئ مشابه في الرياضيات (التفرد الرياضي Mathematical Singularity). وهو الحالة التي يكون فيها العنصر الرياضي غير معرف. وهي غالبا تحصل بعد أن يصل العنصر لعدد لانهائي. فمثلا، إذا قسمت العدد واحد على عدد صغير جدا قريب من الصفر فإن الناتج سيكون كبير جدا. وكلما اقترب القاسم من الصفر كلما اقترب الناتج من اللانهائي. واذا اصبح صفر فإن الناتج غير معرف (متفرد Singular).
من هنا جاء مصطلح التفرد التقني، أي أنه إذا تضخم الناتج العلمي التقني وتوسع وصار كبيرا جدا فإننا سنصل لمرحلة غير معرّفة، فيها تنتج الآلة آلات أخرى لاتستطيع عقولنا أن تستوعبها في هذه المرحلة على الأقل. إذا كنّا منذهلين من التسارع الكبير اليوم في التقنية فإننا في زمن التفرد التقني القادم لن نجد وقتا للذهول. سيكون أكبر مما يتوقعه أي عقل بشري اليوم. في رأيي إنه سيكون زمن الانفجار العظيم لهذا العلم وهذا الانفجار مشابه للانفجار العظيم الذي حدث في الكون قبل نحو ١٤ مليار عام وأدى إلى ولادة الكون حسب (نظرية الانفجار العظيم Big Bang Theory). لا أستبعد أن يكون هناك كون آخر يولد كنتيجة لهذا التفرد التقني.
سأتحدث في المدونة القادمة أيضا عن هذا الموضوع ونحاول أن نجيب عن الأسئلة التي لم نتطرق لها هنا.