منذ أن بدأ عصر الذكاء الاصطناعي بدأت ظواهر الانقسام بين علمائة حول ماهي أفضل الطرق وأقصرها للآلة الذكية التي تظاهي بقدرتها الانسان. وقد انقسموا في المجمل لخمسة أقسام كبيرة:
١- الرمزيين Symbolists
فكانت بداية العلم هي محاكات العقل البشري بشكل مجرد Abstract level. واستمرت هذه المرحلة من الستينات الى مطلع الثمانينات من القرن الماضي. وكان من أشهر علماء هذه المرحلة (جون مكارثي John McCarthy) والذي أطلق اسم (الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence) لأول مرة في التاريخ. والذي كان أحد الحاصلين على جائزة تورن التي ذكرناها سابقا، وقد مات عام 2011. لكن أعتقد شخصيا أن (هيربرت سايمون Herbert Simon) كان هو المؤسس الحقيقي والأب الروحي لهذا العلم وهذه المرحلة بشكل خاص (ملاحظة: هذا الشخص حاصل على عدة جوائز عالمية منها جائزة تورن وجائزة نوبل في الاقتصاد). كان البروفيسور سايمون أستاذا في (جامعة كارنيجي ميلون Carnegie Mellon University) والتي تعرف اختصاراً بـ CMU. لماذا أعتقد أنه صاحب الفضل؟ لعدة أسباب أهمها أن طلابه انتشروا منذ ذلك الحين في كل مكان من أمريكا وبدؤوا بالتبشير بعلمه حسب رؤيته التي جعلت (البنية الإدراكية Cognitive Architecture) هي الطريق الأمثل للوصول للذكاء الآلي المطلوب. وكان من حسن حظي أنني درست مادة (Cognitive Architecture) لدى أحد طلابه وهو (بات لانقلي Pat Langley) والذي كان أستاذا في جامعة ستانفورد قبل أن ينتقل لجامعة ولاية أريزونا. وكان كثير الحديث عن أستاذه وزملائه والذين كان لهم دور كبير في هذا التوجه والذين تم إطلاق مسمى (الرمزيين Symbolists) عليهم فيما بعد.
ويسمى تعلم الآلة حسب هذه الفئة (التعلم الرمزي Symbolic Learning) ويعتمد على بناء هيكل إدراكي محدد لعقل الالة يعتقدون أنهم يحاكون به عقل الانسان. طبعا تم تسمية هذا القسم بالرمزيين لأنهم يعتقدون أن عقل الانسان يخزن كل شئ على شكل صور أو تصورات رمزية والتي بدورها تساعد في بناء هيكل إدراكي والذي هو بدوره محور الذكاء البشري. وهناك أكثر من مثال على هذه النماذج ومنها (ايكراس ICARUS- مصممه بات لانقلي الذي ذكرناه آنفا) و (سوار Soar – مصممه جون ليارد John Laird) وهو كذلك تلميذ سايمون حيث كان مشرفه في مرحلة الدكتوراة. ومن هذه النماذج (آكت ACT – مصممه جون روبرت أنديرسون John Robert Anderson) وهو بالمناسبة حاله كحال كل من ذكر في هذا المقال من جامعة كارنيجي ميلون CMU. ولذلك أعتبر أن هذه الجامعة هي أم الذكاء الاصطناعي في العالم.
وهنا سأشرح بشكل مبسط إحدى هذه النماذج لتوضيح الصورة قليلا. فمثلا، ACT هو نموذج لهيكل إدراكي يتكون من مجموعة من (الوحدات Modules) وكل وحدة مسؤولة عن معالجة نوع محدد من البيانات. مثلا:
١- (وحدة الإحساس Sensory Module) وذلك لمعالجة المعلومات البصرية Visual.
٢- (وحدة الحركة Motor Module) وهو الذي يحدد حركة الروبوت.
٣- ومنها كذلك (وحدة الهدف Intentional Module) وهي الوحدة التي تحفظ فيها الأهداف.
٤- وأخيرا (وحدة التعريف Declarative Module) وهو المعني بالذاكرة طويلة الأمد long-term memory.
علما أن كل وحدة لديها ذاكرة تسمى Chunks لحفظ هيكل الوحدة وعلاقاتها وتعريفاتها.
دعونا نأخذ السيناريو التالي لتوضيح طريقة الإدراك وعمل وحداته حسب ACT. فلو رأى الروبوت شخصا سبق أن رآه، فإنه سيستخدم وحدة الإحساس لتحليل صورة وجهه. ثم يقوم باسترجاع معلوماته الموجودة في وحدة التعريف من الذاكرة طويلة الأمد، فيعرف اسم الشخص ومعلوماته المخزنة في هذه الوحدة. ثم يحدد هدفا لهذا اللقاء في وحدة الهدف وقد يكون الهدف هو مصافحة هذا الشخص والترحيب باسمه (مرحبا فلان). أخيرا تقوم وحدة الحركة بمد يد الروبوت للمصافحة وإلقاء التحية. هذا بالمختصر مايتم حسب هذا النموذج.
ولأن هذا القسم من الذكاء الاصطناعي (محدد Determinstic) فإنه استخدم في المهام المحددة في الأغلب، مثل الألعاب (الشطرنج مثلا) أو القطارات التي تسير آليا، أو الاستخدامات العسكرية وبعض مركبات ناسا الفضائية.
كانت فترة نهضة هذا القسم من 1960 الى 1980 لكن لأن النتائج في هذه المرحلة لهذه النماذج لم تكن كما تمنى الباحثون، فقد ظهر جيل جديد ناصبوا العداء للرمزيين ويطلق عليهم بشكل عام (اللارمزيين Non-Symbolists) توجهوا لطريق آخر سنتحدث عنه في التدوينة القادمة بإذن الله.