هل الذكاء الاصطناعي عدو لنا؟

منذ الأزل .. الانسان عدو مايجهل.. لكن هذه ليست الحالة بالضبط في موضوع الذكاء الاصطناعي. حيث أن الذين يتخوفون كثيرا من موضوع الذكاء الاصطناعي ليسوا فقط من يجهلونه. بل حتى بعض خبراء الذكاء الاصطناعي يحذرون وبشدة من غموض المستقبل في هذا العلم.

لايعقل أن يكون (ألن مسك Alen Musk) يجهل الذكاء الاصطناعي عندما حذر من بعض ما يمكن أن تكون مخاطر مستقبلية تنتج عن سوء الاستخدام أو حتى عن غياب التشريعات والتنظيمات التي تنظم عمل وأبحاث الذكاء الإصطناعي.

تحدثت مع كثير من الزملاء والأصدقاء عن المخاوف التي تتعلق بالتطور السريع لهذا العلم. فكان أكثر الخوف هو من سيطرة الآلة الذكية على العمل بديلا عن الإنسان. و سأناقش هنا بعض المعتقدات ورأيي فيها.

• النظرة الأولى:

يقول البعض أن الذكاء الاصطناعي سيسيطر على كثير من الوظائف في المستقبل وهذه ستكون كارثة اقتصادية على العالم. وهذه النظرة لا أتفق معها اطلاقا. فكل مايحصل اليوم في العالم حصل مسبقا بشكل أو بآخر ولكن ليس بهذه السرعة. فمثلا كان هناك وظائف كثيرة لساسة الخيل والمعنيين بها. ولكن مع ظهور وسائل التنقل الحديثة وخاصة السيارات بكل تأكيد اختفت هذه الوظيفة لم تبقَ إلا في حدود ضيقة جدا. لكن ظهر بديلا عنها ملايين الوظائف للعناية بالسيارات وإصلاحها. بل أبعد من ذلك ولأن الميكانيكا تحتاج لمهارات ومعرفة وجهد كبير كانت هذه الوظائف ذات عائد مادي أكبر من وظيفة سائس الخيل القديمة. (أزعم ذلك..وهذا المثال قد يوضح الصورة وليس بالضرورة أنه واقعي).

• النظرة الثانية:

في حين أن النظرة الأولى تتحدث عن كل الوظائف، فإن النظرة الثانية تحدد الوظائف البسيطة التي يمكن أن يؤديها الروبوت بسهولة، كالعمل في تصنيع السيارات أو التنظيف أو كي الملابس مثلا. وهذا في الواقع أنه موجود وبدأ ينتشر بشكل كبير. بل حتى بناء البيوت وصناعة الأدوات وغيرها. فمثلا، لم تعد تحتاج شركتي أمازون وعلي بابا الكبيرتين في التجارة الإلكترونية لعمال لنقل الشحنات في المستودع وترتيبها وتوزيعها. بل استغنيتا عنها بروبوتات تقوم بهذه المهام البسيطة. بل بدأنا نستغني عن قائدي القطارات والسيارات والطائرات ونستبدلهم بالروبوتات. وهذا قد يكون له أثر اقتصادي على الأشخاص أقل مهارة. ولكنه سيفتح وظائف أكبر في قطاعات أخرى كالكمبيوتر والهندسة وعلوم البيانات وغيرها.. والتي هي بكل تأكيد أكثر دخلاً من الوظائف التي فقدناها.

• النظرة الثالثة:

وهي النظرة المتشائمة جداً، وكأن الروبوتات والذكاء الاصطناعي سيكون هو الذي يقضي على الحضارة الإنسانية على الأرض أو يسيطر عليها عسكريا على أقل تقدير. وهذه النظرة تم التطرق لها في أفلام كثيرة من هوليود. ومنها كان يخاف ألن مسك في كلامه الذي عارضه فيه مارك زوكربرق مؤسس فيسبوك. وبعد أيام من هذا النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي أوقفت “فيسبوك”، حسب الخبر الذي انتشر ولم تنفه الشركة، بعض سيرفراتها لاعتقادهم أنها قامت بتطوير لغة تتخاطب فيما بينها لم يفهمها الإنسان. وهذا الخبر، والذي أشك في صحته، يقف ضد رأي صاحب الشركة المعارض لمخاطر الذكاء الإصطناعي..

رأيي، أن هذه النظرة متشائمة لدرجة بعيدة ولا أعتقد أنها منطقية. فقد طور الإنسان في تاريخه أدوات خطرة كالأسلحة النووية والبيولوجية ولكنه لم يقم بتدمير نفسه بها .. بل بقي مسيطرا عليها ومع كل تطور يعود الإنسان ليضع الأنظمة والتشريعات التي تساعده على البقاء.

الواقع الخطير، هو أن يستخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح بديلا للسلاح التقليدي. وعندها تسيطر الدول السباقة في الذكاء الاصطناعي على الدول الأقل تمكنا منه.. وهذا في نظري ماكان يرمي إليه فلاديمير بوتين رئيس روسيا عندما قال قبل أسبوعين: “الدول التي تقود في الذكاء الاصطناعي ستسيطر على العالم”.

• النظرة الرابعة:

وهي نظرة قد تبدو للوهلة الأولى منطقية، وهي أن الذكاء الاصطناعي سيتمكن من استبدال جميع الوظائف باستثناء تلك التي تحتاج للطبيعة الإنسانية، كالفن والإبداع والشعر.. لكن الواقع أن العلماء بدأوا يطورون خوارزميات تقوم بكثير من تلك المهارات الإنسانية بشكل مقبول، وستطور بشكل أكبر مع تطور الأبحاث. وأذكر أنني عملت عام 2009 على بحث عن اضافة المشاعر والأحاسيس Emotions and Feelings للروبوت، كالغضب والرضى والحزن والتعاطف وغيرها..

أطلت الحديث ولكن أختم بعدة نصائح:

١- وظائف المستقبل تحتاج مهارات المستقبل، فلنسعى لتطوير أنفسنا وأبناءنا مهاريا بما يتناسب مع المستقبل.

٢- الذكاء الاصطناعي إن اعتبرناه عدوا فسنتجنبه بينما يطوره غيرنا، وعليه يجب أن نراه امتدادا طبيعيا لتطور الانسان، وأن الخطر ليس في تبنيه والاقتراب منه، بل الخطر كل الخطر في الابتعاد عنه.

٣- الذكاء الاصطناعي، كالنظارة والورقة والقلم والهاتف.. يجب أن نراها أدوات مساعدة للانسان وليست بديلة عنه. فأنت تستخدم الهاتف الجوال ليحفظ أرقام الهاتف التي تهمك، ولكنك لازلت محتاجا لعقلك ولم تستبدله بالهاتف لمجرد أنه يحفظ بالنيابة عنك. ولذلك فالذكاء الاصطناعي (امتداد لعقولنا Extended mind ) ..

٤- كل وظيفة ستختفي بفعل تطور الذكاء الاصطناعي يظهر مقابلها عشرات الوظائف الجديدة ذات مستوى أفضل وتتطلب مهارات أكبر.