يولد الطفل ولديه قدرات عقلية إدراكية فطرية وهي أشبه بما نسميه في الكمبيوتر (المدمج Built-in). أي أنها في أصل تركيبته. فلا تكون نتاج تعلم. لكن ميزة هذه القدرات الإدراكية في العقل البشري أنها تتطور. فمثلا، يولد الطفل وهو يستطيع أن يرى لمسافات قصيرة تكفيه للنظر للوجوه القريبة ومعاينة البيئة المحيطة. لكن هذه الرؤية مشوشة لحد ما. ثم ماتلبث هذه القدرات أن تتطور ليصبح قادرا على تمييز الألوان بشكل أفضل مما يقلل التشوش، ويستطيع بعد ذلك التركيز وتتبع الأجسام المتحركة بشكل أفضل. كذلك بالنسبة للكلام، فلدى الطفل القدرة على إصدار الأصوات. لكنه لايستطيع الكلام مباشرة.
إن الصورة التي تلتقطها عيني الطفل هي مايساعده على تطوير قدراته البصرية والإدراكية كتمييز الأنماط. والأصوات التي يسمعها هي مايساعده على ترتيب الصوت الخارج من فمه ليكوّن منه كلمات مفهومة. فهو يقوم بمحاكاة الأصوات التي يسمعها.
كل هذا عبارة عن بيانات تتخزن في عقل الإنسان ليستفيد منها ويتعلم منها ليطور قدراته الإدراكية والحسية. الإنسان عندما يصادف شخصا لأول مرة فإنه لايعرفه، ولكن عندما يتعرف عليه وعلى اسمه ومكان عمله مثلا، فإنه سيصبح قادرا على تمييزه في المرة القادمة. (هذا لاينتطبق على بعض الأصدقاء الذين يرون الشخص عشرطاعشر مرة وكل مرة ينكرون معرفتهم به، يعرفون أنفسهم!!).. بل يستطيع باستخدام البيانات الموجودة في عقله لشخص ما أن يتعرف على الشبه بينه وبين شخص آخر حتى لو لم يكن يعرف أن بينهم صلة قرابة. كل ذلك باستخدام قدرات إدراكية تطورت معه على مر الزمن.
العقل البشري قادر على تخزين البيانات في الدماغ واستخراج معلومات من هذه البيانات. وبكل تأكيد، هناك طريقة يستخدمها العقل البشري لاستخراج معلومات من هذه البيانات، ولكننا الى اليوم لانعرف هذه الطريقة. ولذلك لازلنا لانستطيع عمل خوارزمية تحاكي هذه القدرة. إن هذه الطريقة، وأعني بها طريقة تحويل البيانات إلى معلومات أو معرفة هي الذكاء ولايمكن بحال من الأحوال أن نقول أن الذكاء هو البيانات المحفوظة مهما بلغ كمُّها أو طريقة حفظها.
وبالعودة للبيانات فإن هذه البيانات عندما تتراكم في العقل البشري فإنها تسمى خبرة Experience. وهو نفس المصطلح الذي نستخدمه في علوم الحاسب والذكاء الاصطناعي لنشير إلى البيانات المتراكمة ذات التمثيل المحدد لدينا. فمثلا، عندما نجمع بيانات كبيرة ونمثلها بطريقة ما في الكمبيوتر ونصمم خوارزمية لتتعلم من هذه البيانات فإننا نقول أن الروبوت يتعلم من الخبرة الموجودة.
وعندنا نماذج من الروبوتات التي تتعلم من الخبرة لعل أشهرها الروبوت واتسون من شركة آي بي إم IBM Watson. فقد تم تصميم (بوت Bot أو كراولر Crowler) (هي أنواع من الروبوتات التي تقوم بالبحث في الانترنت وتجميع المعلومات من المواقع وغالبا لاتتوقف عن العمل ويقال أن 80% من الحركة traffic على الانترنت عبارة عن كراولرز)، ووظيفة هذا البوت هو تجميع البيانات من الإنترنت وترتيبها في سيرفرات في شركة آي بي إم بشكل محدد. وبعد ذلك قام فريق تطوير واتسون بعمل حوالي أربعين خوارزمية لمعالجة هذه البيانات واستخراج المعرفة منها. ويمكن القول أن الذكاء في واتسون هو في هذه الخوارزميات الأربعين وليس في البيانات التي تم جمعها أو وسائل تخزين هذه البيانات. واليوم يستخدم واتسون في مهام متعددة منها مساعدة الأطباء والقيام بمهام خدمة العملاء وتحليل البيانات وغيرها.