هذا القسم من أقسام الذكاء الإصطناعي في غاية الإمتاع.. إنه
٤- التطوريون Evolutionaries
قد يبدو الاسم غريبا للوهلة الأولى. لكن دعوني أعود بكم للوراء قليلاً. وبالتحديد منتصف القرن التاسع عشر حيث كان عالم الأحياء والطبيعة البريطاني (تشارلز داروين Charles Darwin) ينظر لنظرية قد لاتبدو لكثيرين في زمنه ولازمننا منطقية. إنها نظرية (التطور Evolution). وأنا هنا لا أناقش صحة هذه النظرية. لكن كان ضمن نظرياته التي ساهم في نشرها وأكثر مايعنينا هنا هي نظرية (الإختيار الطبيعي Natural Selection). كثيرون يناقشون هذه النظرية من جانب ديني بحت، بينما هي لاتتنافى مع الدين مطلقا. (ملاحظة: أقصد نظرية الإختيار الطبيعي ولا أعني بحال من الأحوال نظرية التطور).
دعوني أشرح لكم هذه النظرية كما قال أينشتاين، الفكرة التي لاتستطيع شرحها لطفل عمره ست سنوات فأنت لاتفهمها.
يقول داروين في نظرية الاختيار الطبيعي، أن الطبيعة تختار الأقوى للبقاء والتكاثر. أي أن الطبيعة هي من تحدد الأجيال التالية من المخلوقات للبقاء والمنافسة. قد يفهم من هذه النظرية أنه ينفي تدخل القدر الإلهي في تكاثر المخلوقات. وهذا قد يكون بعيد عن المعنى الأساسي للفكرة.
دعونا نضرب مثلا، فلو أن فراشة تعيش في غابات الأمازون، وهذه الفراشة يوجد منها أكثر من مئة صنف كل صنف بلون محدد (أصفر، أسود، أحمر، أخضر، …الخ). ولنفرض أن هناك زواحف وطيور تصطاد هذه الفراشات. فإن الفراشات ذات اللون الأخضر، المشابهة للون الأشجار، ستكون ذات مقدرة أكبر على التخفي ونتيجة لذلك ستكون احتمالية بقاءها على قيد الحياة أكبر من الفراشات ذات الألوان المخالفة للون الطبيعة. وعليه فتعتبر جينيا أقوى ومقاومة أكثر من غيرها. بل إن الأجيال التالية من هذه الفراشات ستكون أكثر مشابهة للطبيعة، وذلك بأن الجينات الأقوى ستنتقل للأجيال التالية بشكل أكثر وضوحا.
يعتقد العلماء أن الجينات DNA تنقسم من الأبوين للأبناء ويبقى الجين الأفضل هو المسيطر.
ومن هنا جاء علماء الذكاء الاصطناعي وأبدعوا لهم نوعا جديدا من الخوارزميات سموه (الخوارزميات التطورية Evolutionary Algorithms) أو (الخوارزميات الجينية Genetic Algorithms) ويرمز لها اختصاراً GA.
كان العالم الأمريكي (جون هولاند John H. Holland) من (جامعة ميشيغان، آن أربور University of Michigan, Ann Arbor) هو من بدأ عام 1975 تقريبا هذا العلم. وكان هذا في كتابه الذي نشرته MIT Press بعنوان (التكيف في النظم الطبيعية والاصطناعية Adaptation in Natural and Artificial Systems).
ملاحظة جانبية: يقول البعض أن العالم الكبير جون هولاند هو الحاصل على أول دكتوراه معروفة في العالم في الكمبيوتر ساينس عام 1959. وقد مات عام 2015.
المهم تقول فكرة الخوارزميات الجينية أنك (تبحث بشكل إرشادي Heuristic Search) في مجموعة من الخيارات من الخصائص والتي تمثل DNA للمخلوقات. وهناك معايير تقيس مقدار نجاح وملاءمة كل خيار لديك تسمى (معادلة الملاءمة Fitness Function). مثلا، لو أنك تريد أن تصمم برنامج روبوت ذكي يتحرك في بيئة وينظف البيئة. ويمر في طريقه ببعض النفايات التي يجب أن يحملها ويضعها في صندوق النفايات، وقد يمر في طريقة ببعض الأشياء التي لاتعتبر من النفايات مثل الأشجار والحجارة وغيرها. فإنك ستصمم الروبوت ببعض المهارات التي يمكن تفيده في البيئة، مثل الأذرع التي تساعده في حمل النفايات والأقدام وخلافه، ولكن لايجب عليك برمجة ماهي الأمور التي يجب أن يعتبرها من النفايات، بل تجعل الروبوت بنفسه يتعلم ذلك. وستجعل له بيئة تدريب افتراضية وتجعله يحمل بشكل (عشوائي Randomize) الأشياء التي تكون في طريقه، (لنفرض أنه في المرة الأولى سيحمل كل شئ يجده في طريقه) وبعد كل مرة ينتهي فيها من التجربة (وتسمى دورة تكرارية Iteration)، ستقوم بتقييم نتائج عمل الروبوت وتعطي له قيمة نجاح. وسيقوم الروبوت بتكرار ذلك ولكن الآن لن يحمل كل شئ في طريقه، بل يحمل جزءً منها. وبعد أن ينتهي الدورة الثانية سيقارن النتائج ويقوم الآن بدمج الطريقتين الأولى والثانية ليجرب الدورة الثالثة، وهكذا. وفي كل مرة يقيم النتائج، ومن ثم يدمج (crossover) من الأجيال السابقة ويحافظ على الجيل الذي يعطيه أفضل نتائج.
وقد نجح هذا النوع من الذكاء الاصطناعي كثيرا في كثير من التطبيقات، لكن نجاحها من وجهة نظري مرهون بقدرة مصمم النظام الذكي على ابداع اختيار طريقة تمثيل الجينات للنظام.
لكن نجد من فترة ليست بالقصيرة جمود في هذا النوع من الذكاء الاصطناعي بالعمل على اللعب على (تغيير المتغيرات tuning parameters) وضبط طريقة دمج الجينات بين الأجيال. وبقي كثير من الباحثين يحاولون الخروج من هذا الجمود لكن دون جدوى. لكن من يعلم فقد يستطيعون الخروج من هذا الجمود كما حصل لـ Neural Networks منتصف العقد الفائت حيث بدأت Deep Learning تخرج باحثي ال NN من الجمود الذي أصابهم من التسعينات.
ننتظر ونرى..